الموساد القصة الكامله
صفحة 1 من اصل 1
الموساد القصة الكامله
يتناول الكتاب استعراضاً تاريخياً إسرائيلياً بأهم إنجازات جهاز الموساد وإخفاقاته، ويحاول بطريقة ذكية "الاحتيال" على مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي لنشر ما كان محظوراً إلى أمد قريب تناوله في إسرائيل، محاولاً توجيه نقد –ولو ضمني- إلى أداء الجهاز الأشهر في تاريخ المخابرات العالمية. يمثل الكتاب إضافة نوعية لكتابات سابقة حول جهاز الموساد، لاسيما وأنه يدخل إلى تفاصيل -كانت وما زالت- مظلمة في تاريخ الكتابات التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي، ودور المؤسسات الأمنية والأجهزة الاستخبارية التي شكلت محوراً مهماً في العديد من أحداثه الفاصلة.
معلومات النشر:
عنوان الكتاب: الموساد والعمليات الكبرى
المؤلفان: ميخائيل بار زوهر ونيسيم مشعال
إصدار: يديعوت أحرونوت وسفري حيمد
عدد الصفحات: 391 صفحة
لغة الكتاب: العبرية
سنة الإصدار: 2010
عمل في الظلام
يعود الكتاب إلى البدايات الأولى لتأسيس جهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي، ويطلق عليه اختصاراً اسم "الموساد"، إلى العام 1951، بقرار صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، "دافيد بن غوريون"، ليكون بمثابة ذراع استخبارات رئيسي ضمن أجهزة الاستخبارات السرية المتعددة. وفيما يعتبر دور الموساد محدوداً وغير مباشر في العمل الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصاً، والأراضي الفلسطينية عموماً، إلا أن ساحات عمله خارج حدود الدولة واسعة وغير محدودة.
ويرى المؤلفان أن جهاز الموساد مع مرور الوقت، كجهاز تجسسي سري يعمل في "الظلمة" بعيداً عن الأضواء، وخارج أطر الرقابة القانونية والقضائية، أصابته الكثير من مظاهر الفساد والترهل والتضخم، كما اعترف العديد من كبار مسئوليه السابقين. هذه المظاهر، ولّدت دعوات متكررة بين فترة وأخرى، بعد كل فضيحة كبرى، أو فشل ذريع، لضرورة إجراء إصلاحات داخلية، وإعادة تنظيم جذرية لأقسامه وهياكله، ومهامه ووظائفه، حيث لا يتم الإعلان عن حجم ميزانياته التي يحصل عليها من خزينة الدولة، ما يجعله عرضة للـ"أعطاب"،ومظاهر التسيب والفساد.
ويقتحم الكتاب "مساحات ملغومة" كانت إلى أمد قريب حصراً على كُتاب وباحثين عرب، حين يربط اسم "الموساد" بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، التي هزّت صورته، وتسببت مراراً بحرج بالغ لإسرائيل، وأحياناً ألحقت ضرراً بعلاقاتها على المستوى الدولي. الترهل الإداري
تجلت الإخفاقات والنجاحات الاستخباراتية في ممارسات جهاز الموساد، في إشرافه على العديد من العمليات الأمنية الخارجية، حيث أورد الكتاب 22 عملية استخبارية معقدة، لا يتسع المجال لذكرها في هذا العرض السريع. لكن ما يستوقف القارئ للكتاب تركيزه على جملة منها، أهمها: قصف المفاعل النووي السوري، اعتقال الضابط الألماني "أيخمان"، اغتيالات القادة الفلسطينيين خلال سنوات السبعينيات، فضيحة كشف العميل "إيلي كوهين" في سوريا، إلى أن يصل إلى عمليتي اغتيال قائد حزب الله العسكري عماد مغنية في دمشق، ونظيره في حماس محمود المبحوح في دبي.
وقد أرجع المؤلفان هذه الإخفاقات إلى ثلاث مشاكل أساسية نشأت لدى جهاز الموساد ودوائره المتخصصة، وتتمثل في:
أ- تدفق المادة الخام غير الدقيقة إلى قادة الجهاز، ب- توزيع المادة الاستخبارية على محافل البحث، وبعثرة معلوماتها، وعدم الخروج بتقدير جيد، ت- الترهل الإداري الذي يلعب دوراً مهماً في عملية الإخفاق.
وبالتالي، يؤكد الكتاب أن سلسلة الإخفاقات هذه لجهاز الموساد، انعكست سلباً على واقع إسرائيل كدولة، وعلى علاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم, ما يجعل المسؤولية الكبرى تقع على عاتقها في إعادة النظر في العديد من سياساتها الأمنية والعسكرية والسياسية.
الحرب على العقول
ما يجعل الكتاب الذي بين أيدينا واحداً من الكتابات القليلة التي لا تقدم فقط رؤية إسرائيلية لعمل المؤسسة الأمنية والاستخبارية، بل في كونه يتناول تركيبة جهاز الموساد، وأدواره وعملياته السابقة، ويتطرق إلى محاولة استخلاص العبر من أجهزة استخباراتية عالمية أخرى حتى يتمكن من مواجهة هذه الأخطار. وأظهر المؤلفان ما أسماهما بـ"الميول القائمة في البيئة الإستراتيجية"، التي يجب على أجهزة الاستخبارات ممثلة بالموساد الاستعداد لها في العقد المقبل، مشيران إلى المخاطر الأمنية المحدقة بإسرائيل.
ورغم المعلومات الهائلة التي يقدمها الكتاب، إلا أنه اكتفى بالإشارة إلى تلك المخاطر، دون التوسع فيها، مع أنها تقع في صلب عمل الموساد كذراع أمني واستخباري متقدم لإسرائيل، ومنها:
1- سقوط أنظمة عربية معتدلة، بالترافق مع امتلاك سلاح نووي.
2- استعداد جهات متطرفة لتنفيذ عمليات هائلة، بالتزامن مع تسرب سلاح غير تقليدي.
3- تبلور دولة فلسطينية معادية، إلى جانب اندلاع انتفاضة في أوساط عرب الـ48.
وقد اجتهد الكتاب في شرح الآثار العملانية لهذه الأخطار على نظرية الأمن الإسرائيلية، ومن ثم عمل الموساد الميداني، مقدماً سلسلة من التوصيات والمقترحات، من أهمها:
أ- شن حرب سرية في جبهة واسعة في ضوء طابع الأعداء، وغياب المشروعية السياسية لاستخدام النار، فالعمل السري يسمح أيضاً بتقليص مخاطر التصعيد، رغم أن ذلك ليس مضموناً.
ب- تنفيذ "عمليات أمنية "جراحية معقدة" في مناطق بعيدة.
ج- إحباط واسع ضد الأعمال السرية، والجرائم الإستراتيجية على الصعيد الداخلي.
د- تطوير قدرات هجومية ودفاعية في الشبكة العنكبوتية، كموضع قتال جديد في عصر المعلومات.
هـ- توفير معلومات دقيقة، وبكمية عالية لتجسيد "القدرات النارية" للجيش الإسرائيلي.
و- توفير معلومات لتحقيق مصالح أمنية، كردع الأعداء عن الحرب، وإحباط مشاريعهم، والكشف عن نواياهم، أو توفير معلومات استخبارية ضد من يعملون تحت ستار من السرية والخداع للأسرة الدولية.
ز- تصعيد "الحرب على العقول"، بكشف المعلومات التي تؤثر على شرائح مختلفة، للمساعدة في تحقيق أهداف أمنية قومية.
انعدام التنسيق
ينشغل الكتاب كثيراً في سرد وقائع تاريخية بقي جزء أساسي منها طي الكتمان حتى كتابة هذه السطور، محاولاً التطرق إلى ما يسمى "الوحل اللبناني" في العرف الإسرائيلي، كاشفاً أن الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، عملت خلالها الأجهزة الإستخبارية بتواز دون تنسيق تام بينها.
ويعزو الكتاب بصورة مثيرة سبب ذلك – مستنداً إلى بعض الأوساط النافذة في جهاز الموساد- إلى العلاقات الشخصية غير الودية بين رؤساء أجهزة الأمن الإستخبارية، وأهمها: الشاباك، أمان، الموساد!
وفي هذا السياق، أشار المؤلفان إلى أن "للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، ومن بينها الموساد مبنى تنظيمياً ضعيفاً، لا يلائم متطلبات مواجهة التحديات الأمنية الجديدة في إسرائيل، بحيث لا يوجد هناك مركز للأجهزة أو رأس مدير، ما يجعل من مهمته صعبة، لاسيما في ظل التغييرات الحاصلة في التهديدات الإستراتيجية، وتقدم التكنولوجيا، وسهولة الحصول عليها من قبل أطراف معادية.
كما تبدو مهمة الموساد وشركائه في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، في مواجهة القوى المعادية لإسرائيل غير سهلة، وليست معتمدة على جهاز استخباري واحد، بل يتطلب العمل معاً من قبل مختلف الأجهزة الإستخبارية، في ظل توقع زيادة قوة القوى الإسلامية في العالم، مقابل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المنتشرين على رقعة القارات الست.
ولعل أفضل ما يقدمه الكتاب للوهلة الأولى، أنه "يفند" مسألة بدت كما لو كانت حقيقة بديهية لدى العديد من المحافل الإقليمية والدولية، حيث عكف المتحدثون باسم الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام في إسرائيل على امتداح الدور الكبير والحاسم، الذي تقوم به الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في الحروب، لاسيما الموساد، بحيث أن مراجعة تاريخية من قبل الكتاب للسجل التاريخي لهذا الجهاز، المحاط بهالة من التكتم والسرية، يجعله مرتبطاً بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، مثله في ذلك مثل باقي الأجهزة الاستخبارية كـ"الشاباك" و"أمان".
مركزية التجسس
شكلت مهمة التجسس في الماضي والحاضر عنواناً مركزياً لعمل الموساد، وما زالت وستبقى، سياسة ثابتة، وتكتسب تلك المكانة العالية انطلاقاً من محددات عدة لا يمكن أن تختفي بين يوم وآخر، وهي كما حددها الكتاب:
1- تزايد احتمالات الصراع المسلح بين إسرائيل والأطراف العربية المجاورة لها، دول كلبنان وسوريا وإيران، وقوى مسلحة كحزب الله وحماس، وتلويحها بين الحين والآخر بشن حرب إقليمية.
2- الفتور الذي أصاب علاقة إسرائيل بالدولتين المجاورتين لها، مصر والأردن، وأثر ذلك على تراجع عمل ما يعرف بـ"محطة الموساد" في كلا البلدين.
3- الاختراق الإسرائيلي الأمني والسياسي والاقتصادي للعراق، مما يشكل للموساد إطلالة مفصلية وكبيرة على جيرانه: سوريا والخليج وإيران وتركيا، حيث يكشف الكتاب أنه من بين 870 وثيقة للمخابرات الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وأماكن وجودها، هناك 810 وثيقة وصلت من رجال الموساد!
4- رغبة إسرائيل في أن تكون على متابعة مكثفة وحثيثة دائمة لما يدور حولها، لأنها تدرك جيداً أن المحيط العربي معاد لها، وأنظمة الحكم التي تبدو محايدة لها في أسوأ الأحوال، وحامية لحدودها في أحسنها قد لا تدوم طويلاً.
سيرة حافلة
تنبع أهمية الكتاب فضلاً عن مجاله الذي يعتبر غاية في الحساسية الأمنية المفرطة، من كون السيرة الذاتية لمؤلفيه، حيث ينظر إليهما على امتلاكهما لسجل حافل من العلاقات الوثيقة في عالم المخابرات الإسرائيلية منذ عقود طويلة. فالبروفيسور "ميخائيل بار زوهر" البالغ 72 عاماً، من أصول بلغارية، وعضو كنيست سابق عن حزب العمل، يعتبر من المؤرخين الإسرائيليين الأكثر بروزاً، وحصل على شهاداته العلمية الثلاث في تخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية، من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وجامعة السوربون في باريس. وقد تقلد عدداً من المناصب الحساسة في مجالي السياسة والأمن في إسرائيل، حيث كان ناطقاً باسم وزارة الدفاع، ورئيساً لعدة حملات انتخابية للكنيست.
كما عرف عنه إنتاجه العلمي الغزير، ومن أهم كتبه التي فاقت الـ50 مؤلفاً: جسر على البحر المتوسط.. العلاقات الإسرائيلية الفرنسية، صيد العملاء الألمان، بن غوريون..النبي المسلح، القائمة السرية، طرق الخيانة. أما "نسيم مشعال"، 61 عاماً، يهودي ذي أصول عراقية، فهو صحفي إسرائيلي بارز، ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية لها حضورها الشعبي الواسع، واكتسب شهرته الصحفية من خلال تغطيته العديدة للانتخابات البرلمانية طوال عدة دورات انتخابية، إلى أن سافر للولايات المتحدة ليتعرف عن قرب على طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وغطى قضيتي "إيران-غيت"، و"جوناثان بولارد".
كما استطاع التميز بين أقرانه من خلال قدرته على تنظيم مناظرات سياسية وانتخابية بين كبار الساسة الإسرائيليين، لاسيما "إسحاق رابين وإسحاق شامير"، وبين "بنيامين نتنياهو وإسحاق مردخاي"، والكشف عن قضايا كانت سرية، كما تمكن من الوصول إلى الجذور السرية للمباحثات السياسية بين إسرائيل وسوريا، واغتيال رابين.
من أبرز كتبه المنشورة: 60 عاماً من عمر دولة إسرائيل، حيث ترجم إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الإسبانية، وهو بالمناسبة شقيق المؤرخ الإسرائيلي الشهير "شاؤول مشعال" المتخصص في شئون حركة حماس.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
معلومات النشر:
عنوان الكتاب: الموساد والعمليات الكبرى
المؤلفان: ميخائيل بار زوهر ونيسيم مشعال
إصدار: يديعوت أحرونوت وسفري حيمد
عدد الصفحات: 391 صفحة
لغة الكتاب: العبرية
سنة الإصدار: 2010
عمل في الظلام
يعود الكتاب إلى البدايات الأولى لتأسيس جهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي، ويطلق عليه اختصاراً اسم "الموساد"، إلى العام 1951، بقرار صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، "دافيد بن غوريون"، ليكون بمثابة ذراع استخبارات رئيسي ضمن أجهزة الاستخبارات السرية المتعددة. وفيما يعتبر دور الموساد محدوداً وغير مباشر في العمل الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصاً، والأراضي الفلسطينية عموماً، إلا أن ساحات عمله خارج حدود الدولة واسعة وغير محدودة.
ويرى المؤلفان أن جهاز الموساد مع مرور الوقت، كجهاز تجسسي سري يعمل في "الظلمة" بعيداً عن الأضواء، وخارج أطر الرقابة القانونية والقضائية، أصابته الكثير من مظاهر الفساد والترهل والتضخم، كما اعترف العديد من كبار مسئوليه السابقين. هذه المظاهر، ولّدت دعوات متكررة بين فترة وأخرى، بعد كل فضيحة كبرى، أو فشل ذريع، لضرورة إجراء إصلاحات داخلية، وإعادة تنظيم جذرية لأقسامه وهياكله، ومهامه ووظائفه، حيث لا يتم الإعلان عن حجم ميزانياته التي يحصل عليها من خزينة الدولة، ما يجعله عرضة للـ"أعطاب"،ومظاهر التسيب والفساد.
ويقتحم الكتاب "مساحات ملغومة" كانت إلى أمد قريب حصراً على كُتاب وباحثين عرب، حين يربط اسم "الموساد" بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، التي هزّت صورته، وتسببت مراراً بحرج بالغ لإسرائيل، وأحياناً ألحقت ضرراً بعلاقاتها على المستوى الدولي. الترهل الإداري
تجلت الإخفاقات والنجاحات الاستخباراتية في ممارسات جهاز الموساد، في إشرافه على العديد من العمليات الأمنية الخارجية، حيث أورد الكتاب 22 عملية استخبارية معقدة، لا يتسع المجال لذكرها في هذا العرض السريع. لكن ما يستوقف القارئ للكتاب تركيزه على جملة منها، أهمها: قصف المفاعل النووي السوري، اعتقال الضابط الألماني "أيخمان"، اغتيالات القادة الفلسطينيين خلال سنوات السبعينيات، فضيحة كشف العميل "إيلي كوهين" في سوريا، إلى أن يصل إلى عمليتي اغتيال قائد حزب الله العسكري عماد مغنية في دمشق، ونظيره في حماس محمود المبحوح في دبي.
وقد أرجع المؤلفان هذه الإخفاقات إلى ثلاث مشاكل أساسية نشأت لدى جهاز الموساد ودوائره المتخصصة، وتتمثل في:
أ- تدفق المادة الخام غير الدقيقة إلى قادة الجهاز، ب- توزيع المادة الاستخبارية على محافل البحث، وبعثرة معلوماتها، وعدم الخروج بتقدير جيد، ت- الترهل الإداري الذي يلعب دوراً مهماً في عملية الإخفاق.
وبالتالي، يؤكد الكتاب أن سلسلة الإخفاقات هذه لجهاز الموساد، انعكست سلباً على واقع إسرائيل كدولة، وعلى علاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم, ما يجعل المسؤولية الكبرى تقع على عاتقها في إعادة النظر في العديد من سياساتها الأمنية والعسكرية والسياسية.
الحرب على العقول
ما يجعل الكتاب الذي بين أيدينا واحداً من الكتابات القليلة التي لا تقدم فقط رؤية إسرائيلية لعمل المؤسسة الأمنية والاستخبارية، بل في كونه يتناول تركيبة جهاز الموساد، وأدواره وعملياته السابقة، ويتطرق إلى محاولة استخلاص العبر من أجهزة استخباراتية عالمية أخرى حتى يتمكن من مواجهة هذه الأخطار. وأظهر المؤلفان ما أسماهما بـ"الميول القائمة في البيئة الإستراتيجية"، التي يجب على أجهزة الاستخبارات ممثلة بالموساد الاستعداد لها في العقد المقبل، مشيران إلى المخاطر الأمنية المحدقة بإسرائيل.
ورغم المعلومات الهائلة التي يقدمها الكتاب، إلا أنه اكتفى بالإشارة إلى تلك المخاطر، دون التوسع فيها، مع أنها تقع في صلب عمل الموساد كذراع أمني واستخباري متقدم لإسرائيل، ومنها:
1- سقوط أنظمة عربية معتدلة، بالترافق مع امتلاك سلاح نووي.
2- استعداد جهات متطرفة لتنفيذ عمليات هائلة، بالتزامن مع تسرب سلاح غير تقليدي.
3- تبلور دولة فلسطينية معادية، إلى جانب اندلاع انتفاضة في أوساط عرب الـ48.
وقد اجتهد الكتاب في شرح الآثار العملانية لهذه الأخطار على نظرية الأمن الإسرائيلية، ومن ثم عمل الموساد الميداني، مقدماً سلسلة من التوصيات والمقترحات، من أهمها:
أ- شن حرب سرية في جبهة واسعة في ضوء طابع الأعداء، وغياب المشروعية السياسية لاستخدام النار، فالعمل السري يسمح أيضاً بتقليص مخاطر التصعيد، رغم أن ذلك ليس مضموناً.
ب- تنفيذ "عمليات أمنية "جراحية معقدة" في مناطق بعيدة.
ج- إحباط واسع ضد الأعمال السرية، والجرائم الإستراتيجية على الصعيد الداخلي.
د- تطوير قدرات هجومية ودفاعية في الشبكة العنكبوتية، كموضع قتال جديد في عصر المعلومات.
هـ- توفير معلومات دقيقة، وبكمية عالية لتجسيد "القدرات النارية" للجيش الإسرائيلي.
و- توفير معلومات لتحقيق مصالح أمنية، كردع الأعداء عن الحرب، وإحباط مشاريعهم، والكشف عن نواياهم، أو توفير معلومات استخبارية ضد من يعملون تحت ستار من السرية والخداع للأسرة الدولية.
ز- تصعيد "الحرب على العقول"، بكشف المعلومات التي تؤثر على شرائح مختلفة، للمساعدة في تحقيق أهداف أمنية قومية.
انعدام التنسيق
ينشغل الكتاب كثيراً في سرد وقائع تاريخية بقي جزء أساسي منها طي الكتمان حتى كتابة هذه السطور، محاولاً التطرق إلى ما يسمى "الوحل اللبناني" في العرف الإسرائيلي، كاشفاً أن الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، عملت خلالها الأجهزة الإستخبارية بتواز دون تنسيق تام بينها.
ويعزو الكتاب بصورة مثيرة سبب ذلك – مستنداً إلى بعض الأوساط النافذة في جهاز الموساد- إلى العلاقات الشخصية غير الودية بين رؤساء أجهزة الأمن الإستخبارية، وأهمها: الشاباك، أمان، الموساد!
وفي هذا السياق، أشار المؤلفان إلى أن "للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، ومن بينها الموساد مبنى تنظيمياً ضعيفاً، لا يلائم متطلبات مواجهة التحديات الأمنية الجديدة في إسرائيل، بحيث لا يوجد هناك مركز للأجهزة أو رأس مدير، ما يجعل من مهمته صعبة، لاسيما في ظل التغييرات الحاصلة في التهديدات الإستراتيجية، وتقدم التكنولوجيا، وسهولة الحصول عليها من قبل أطراف معادية.
كما تبدو مهمة الموساد وشركائه في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، في مواجهة القوى المعادية لإسرائيل غير سهلة، وليست معتمدة على جهاز استخباري واحد، بل يتطلب العمل معاً من قبل مختلف الأجهزة الإستخبارية، في ظل توقع زيادة قوة القوى الإسلامية في العالم، مقابل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المنتشرين على رقعة القارات الست.
ولعل أفضل ما يقدمه الكتاب للوهلة الأولى، أنه "يفند" مسألة بدت كما لو كانت حقيقة بديهية لدى العديد من المحافل الإقليمية والدولية، حيث عكف المتحدثون باسم الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام في إسرائيل على امتداح الدور الكبير والحاسم، الذي تقوم به الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في الحروب، لاسيما الموساد، بحيث أن مراجعة تاريخية من قبل الكتاب للسجل التاريخي لهذا الجهاز، المحاط بهالة من التكتم والسرية، يجعله مرتبطاً بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، مثله في ذلك مثل باقي الأجهزة الاستخبارية كـ"الشاباك" و"أمان".
مركزية التجسس
شكلت مهمة التجسس في الماضي والحاضر عنواناً مركزياً لعمل الموساد، وما زالت وستبقى، سياسة ثابتة، وتكتسب تلك المكانة العالية انطلاقاً من محددات عدة لا يمكن أن تختفي بين يوم وآخر، وهي كما حددها الكتاب:
1- تزايد احتمالات الصراع المسلح بين إسرائيل والأطراف العربية المجاورة لها، دول كلبنان وسوريا وإيران، وقوى مسلحة كحزب الله وحماس، وتلويحها بين الحين والآخر بشن حرب إقليمية.
2- الفتور الذي أصاب علاقة إسرائيل بالدولتين المجاورتين لها، مصر والأردن، وأثر ذلك على تراجع عمل ما يعرف بـ"محطة الموساد" في كلا البلدين.
3- الاختراق الإسرائيلي الأمني والسياسي والاقتصادي للعراق، مما يشكل للموساد إطلالة مفصلية وكبيرة على جيرانه: سوريا والخليج وإيران وتركيا، حيث يكشف الكتاب أنه من بين 870 وثيقة للمخابرات الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وأماكن وجودها، هناك 810 وثيقة وصلت من رجال الموساد!
4- رغبة إسرائيل في أن تكون على متابعة مكثفة وحثيثة دائمة لما يدور حولها، لأنها تدرك جيداً أن المحيط العربي معاد لها، وأنظمة الحكم التي تبدو محايدة لها في أسوأ الأحوال، وحامية لحدودها في أحسنها قد لا تدوم طويلاً.
سيرة حافلة
تنبع أهمية الكتاب فضلاً عن مجاله الذي يعتبر غاية في الحساسية الأمنية المفرطة، من كون السيرة الذاتية لمؤلفيه، حيث ينظر إليهما على امتلاكهما لسجل حافل من العلاقات الوثيقة في عالم المخابرات الإسرائيلية منذ عقود طويلة. فالبروفيسور "ميخائيل بار زوهر" البالغ 72 عاماً، من أصول بلغارية، وعضو كنيست سابق عن حزب العمل، يعتبر من المؤرخين الإسرائيليين الأكثر بروزاً، وحصل على شهاداته العلمية الثلاث في تخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية، من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وجامعة السوربون في باريس. وقد تقلد عدداً من المناصب الحساسة في مجالي السياسة والأمن في إسرائيل، حيث كان ناطقاً باسم وزارة الدفاع، ورئيساً لعدة حملات انتخابية للكنيست.
كما عرف عنه إنتاجه العلمي الغزير، ومن أهم كتبه التي فاقت الـ50 مؤلفاً: جسر على البحر المتوسط.. العلاقات الإسرائيلية الفرنسية، صيد العملاء الألمان، بن غوريون..النبي المسلح، القائمة السرية، طرق الخيانة. أما "نسيم مشعال"، 61 عاماً، يهودي ذي أصول عراقية، فهو صحفي إسرائيلي بارز، ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية لها حضورها الشعبي الواسع، واكتسب شهرته الصحفية من خلال تغطيته العديدة للانتخابات البرلمانية طوال عدة دورات انتخابية، إلى أن سافر للولايات المتحدة ليتعرف عن قرب على طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وغطى قضيتي "إيران-غيت"، و"جوناثان بولارد".
كما استطاع التميز بين أقرانه من خلال قدرته على تنظيم مناظرات سياسية وانتخابية بين كبار الساسة الإسرائيليين، لاسيما "إسحاق رابين وإسحاق شامير"، وبين "بنيامين نتنياهو وإسحاق مردخاي"، والكشف عن قضايا كانت سرية، كما تمكن من الوصول إلى الجذور السرية للمباحثات السياسية بين إسرائيل وسوريا، واغتيال رابين.
من أبرز كتبه المنشورة: 60 عاماً من عمر دولة إسرائيل، حيث ترجم إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الإسبانية، وهو بالمناسبة شقيق المؤرخ الإسرائيلي الشهير "شاؤول مشعال" المتخصص في شئون حركة حماس.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى